عمر بن الخطاب في عيون مفكري العصر.. رؤية مختلفة لكتّاب تاريخ الفاروق

عمر بن الخطاب في عيون مفكري العصر
عمر بن الخطاب في عيون مفكري العصر

التاريخ عموما- والتراجم بالذات- هي عمل إبداعي.. إنه "ليس روايتنا للأحداث"، إنه "رؤيتنا للأحداث ".. بهذه الكلمات يقدم الأديب منير عتيبة أحدث كتبه الصادرة عن سلسلة كتاب اليوم التابعة لمؤسسة أخبار اليوم والتي حملت عنوان " عمر بن الخطاب في عيون مفكري العصر".

ويستعرض "عتيبة" في كتابه رؤيته المتعمقة بأسلوب مبسط لخمسة كتاب تناولوا سيرة "عمر بن الخطاب" وهم عباس العقاد ومحمد حسين هيكل وطه حسين وخالد محمد خالد وعبد الرحمن الشرقاوي، ويتناول "عتيبة"  في كل فصل بالتحليل، شخصية كل كاتب منهم وخلفيته الثقافية وأفكاره -  ليدلل على صدق مقدمته بأن الكاتب يقدم رؤيته للأحداث وليس روايته للأحداث-  ثم يمزج "عتيبة" بين ذلك ورؤية الكاتب نفسه لشخصية عمر بن الخطاب الثرية التي تحمل جوانب كثيرة.

اقرأ أيضا| أحمد كريمة: ضرورة إصدار قانون لقصر الإفتاء والدعوة على خريجي الأزهر | فيديو

أهم ما يميز الكتاب هو قدرة "عتيبة"على البحث والربط والتحليل للشخصيات الخمسة الذين كتبوا عن شخصية "الفاروق".

يبدأ عتيبة فصول كتابه بالحديث عن "عمر بن الخطاب وعباس العقاد"، حيث يركز على إبراز أن العقاد كان بمثابة محامي العباقرة ومنبع ذلك هو شخصية العقاد نفسه وتأثير طفولته والبيئة التي نشأ فيها، ومن ثم فإن تناوله لأي شخصية تاريخية ينبع من هذه الزاوية، فالعقاد حين كتب عن عمر بن الخطاب:"  قام برسم صورة العصر الذي يستقبل العبقري "بن الخطاب"، وتوضيح الخطوط البارزة في االصور: العلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والحالة الدينية والفنية والفكرية والأدبية في هذا العصر ثم يصف العقاد البيئة التي ولد وعاش فيها العبقري ولا ينسى في كل الاحوال تأكيد أثر العصر والبيئة في تكوين الشخصية".

كما كان بمثابة محامي يرد على مزاعم المستشرقين حول صفات بن الخطاب:" فعندما تحدث العقاد عن صفات عمر يُلاحظ أن ابن الخطاب شخصية متكاملة تتمع بالانسجام النفسي الكامل، فصفاته متوافقة يتمم بعضها بعضا فالعدل والرحمة والغيرة والفطنة والإيمان الوثيق، صفات مكينة فيه لا تخفى على ناظر"، وفي الفصل الثاني يتحدث"عتيبة" عن تناول محمد حسين هيكل لعمر بن الخطاب، حيث يبدأ بعرض لحياة محمد حسين هيكل منذ نشأته الريفية لأسرة ميسورة الحال ثم دراسته للحقوق وثقافته الموسوعية التي اتخذ فيها المنهج التوفيقي الذي يجمع ما بين التراث القديم والحديث فهو يأخذ من الثقافة العربية القديمة ما يراها نافعة وفي نفس الوقت لا ينكر الأخذ من الثقافة الغربية الحديثة ما ينفع أيضا.

ثم يتطرق إلى تناول "هيكل" لشخصية عمر بن الخطاب من خلال رسم شخصيته فيقول "عتيبة" :" يرسم هيكل صورة لعمر بن الخطاب الشاب في جاهليته فهو قوي يجيد المصارعة وركوب الخيل والفروسية .. قبيلته ليست قوية وليست غنية ولكنها من أشراف مكة .. يتذوق الشعر وجيد الكلام، يجيد القراءة والكتابة يميل إلى تثقيف نفسه وزيادة نصيبها من العلم والحكمة أكثر من ميله الي زيادة ماله..يقوم بالسفارة بين القبائل لفض الخلافات والمنازعات..  صاحب خمر ونساء.. يتسم بالغلظة والقسوة والتعصب لرأيه شديد على الذين يهاجمون قريش، ويرى هيكل أن عمر لم يكن متعصبا للأصنام بقدر ما كان متعصبا للحفاظ على وحدة الجماعة العربية ونظامها".

أما الفصل الثالث فيحمل عنوان " عمر بن الخطاب وطه حسين".. حيث يبدأ الفصل بتحليل شخصية طه حسين ونشأته بتساؤله:" هل كانت حياة طه حسين رد فعل عنيفا ودائما لإحساسه وهو صبي بأنه كم مهمل ومحتقر وسط أسرته كبيرة العدد".

يواصل عتيبة حديثه عن طه حسين :" من هنا كان حبه الشديد للشهرة وولعه الكبير بها.. ومعاركه الادبية نوع من رد الفعل.. لقد حاول الوصول إلى الشهرة وهو شاب بأن قلد المنفلوطي لكن أحدا لم يلتفت إليه فأخذ يوجه سهام نقده إلى المنفلوطي، ولم يشعر به أحد".. ويتطرق منير بعد ذلك إلى المعارك الثقافية والأدبية التي خاضها عميد الأدب العربي، ثم إلى اتهامه بالكفر خاصة بعد كتابه " في الشعر الجاهلي". ثم يطرح عتيبة تساؤلا مفاده :" هل كانت كتابات طه حسين الدينية محاولة لتحسين صورته أمام الجماهير أو إعلان إسلامه من جديد، وقد أعلنه من قبل في خطابه إلى لطفي السيد مدير الجامعة المصرية؟ 

معظم الذين كتبوا في التاريخ الإسلامي ورجالاته- كالعقاد وهيكل والشرقاوي وخالد محمد خالد- أفردوا كتابا خاصا للصديق وآخر للفاروق، لكن طه حسين هو الوحيد الذي جمع بينهما في كتاب واحد، ويرى "عتيبة" أن ذلك كان منبعه إحساس طه حسين بأنهما وجها العملة الإسلامية وهما قطبا الدين الإسلامي، وأفرد  الفصل الخامس للحديث عن خالد محمد خالد وكتابه "بين يدي عمر".. وتشعر من السطر الأول في هذا الفصل أن " عتيبة " يتحدث عن  خالد محمد خالد.. كمحب يكتب عن أستاذه وليس مجرد طرح لكتاب أو تحليل لشخصية كاتب حيث استخدم في أكثر من موضع كلمة " الأستاذ" حينما يشير إلى خالد محمد خالد.

يركز هذا الفصل على طبيعة خالد محمد خالد المناضل المتمرد الذي يرى في النموذج الديموقراطي السبيل للحكم الرشيد، وحينما تناول شخصية عمر بن الخطاب فهو يركز أيضا على هذا الجانب حيث يرى فترة حكم عمر فترة ديمرقراطية قائمة على القوة. ومفهوم القوة في نظره تعني الحكمة وعدم الاستعلاء على الخير أو التواري من الحق، فهناك فارق بين القوة والقسوة، أما الفصل الخامس والأخير من كتاب "عمر بن الخطاب في عيون مفكري العصر".. فيتناول حياة عمر بن الخطاب في عيون عبد الرحمن الشرقاوي.

يقول عتيبة في بداية الفصل عن عبد الرحمن الشرقاوي أنه من أكثر الكتاب المصريين تنوعا ونشاطا وثراء". ولكنه رغم ذلك وحينما تناول الحديث عن حياة عمر بن الخطاب في كتاب ضخم واستند إلى أكثر من مائة مرجع إلا أنك تشعر أنه كتب هذا الكتاب متعجلا على العكس من النماذج الأربعة السابقين الذين تناولوا حياة الفاروق.

يضيف عتيبة : أن الفكرة الكلية أو الفلسفة أو الهدف الذي ينطلق الكاتب من خلاله ليكتب غير واضح تماما في هذا الكتاب – كتاب الشرقاوي- أو غير موجود أصلا!.. ولا أريد أن أظلم الكاتب الكبير ولأكون منصفا فقد يكون القصور من عندي فلم أستطع التوصل إلى الفكرة الكلية للكتاب"، وفي النهاية الكتاب يرينا كيف يكتب التاريخ ومن أي زاوية يكتب وما هو مدى تأثير شخصية الكاتب في ذلك.